قراءة في كتاب: «حكمُ السُّنّة والكتاب في الزَّوايا والقباب»

22 نوفمبر 2013 20:01
قراءة في كتاب: «حكمُ السُّنّة والكتاب في الزَّوايا والقباب»

قراءة في كتاب: «حكمُ السُّنّة والكتاب في الزَّوايا والقباب»

طيب العزاوي

هوية بريس – الجمعة 22 نونبر 2013م

العنوان: حكمُ السُّنّة والكتاب في الزَّوايا والقباب.

المؤلف: العلامة عبد الرحمن بن محمد النتيفي -من علماء الدار البيضاء- (ت 1385هـ).

اعتناءوتقديموتعليق: الدكتور حميد بن بوشعيب العقرة.

الأجزاء: جزء في 112 صفحة، محتوياته كالتالي:

مقدمة المعتني: ذكر فيها حفظه الله أنَّ نشرَ مؤلفات هذا العَلَم المغربي نشرٌ للعلْم وتعريفٌ بعُلماء المغرب، الذين للأسف يُقْبَرُ ذكرُهم داخلَ بلدانهم فضلاً عن البلدان الأخرى، وحضَّ الدكتورُ طلبةَ العلم وحثَّهم على التَّعريف بأمثال هؤلاء العلماء، بنَشر تَراجمهم وسيَرهم وتحقيق مؤلفاتهم، بل وتسجيل رسائل الماجستير والدكتوراه حول جهودهم الدعوية.

ثم عرَّف الدكتورُ حفظه الله بالعلامة النتيفي رحمه الله بترجمة موجزة ذكر فيها اسمَه، ونسبَه الشريفَ، ومولدَه، وطلبَه للعلم، وبعضَ شيوخه، ومكانتَه العلمية، وجهادَه في سبيل الله لمَّا وَصَلت جيوشُ الفرنسيين إلى خنيفرة، وحضورَه موقعة أرغوس الشهيرة، وموقعة أفوداحمري، وثناءَ كبار العلماء عليه، وتلامذتَه، ومؤلفاتِه التي ناهزت السبعين؛ ومعظمُها في الردِّ على المبتدعة وأهل الأهواء، ونصرة للسنة المطهرة، وهي دليلٌ قاطع وبرهانٌ ساطع على عُلو كَعب الشيخ رحمه الله في علوم كثيرة ومختلفة، ثم ذكر وفاتَه ووصيتَه رحمه الله.

النَّصُ المُحقق: افتتح العلامة النتيفي رحمه الله كلامه بعد الحمدلة والصلاة على النبي والآل والأصحاب بقوله: “فقد سُئل كاتبُه -عفا الله عنه- عبد الرحمن بن محمد النتيفي الجعفري، عن الزواوي والرُّبُط والقباب، أهي من البيوت التي أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمُه وتُعمَّر، ومن حُرمات الله التي تُعظَّم، أم من مساجد الضِّرار التي ينبغي أن تُحرق أو تُهدم أو تُهجر؟

وقد ذهب كثير ممَّن يُنسب إلى العلم إلى الأول. فأَجيبُوا مَأجُورين، وبَيِّنوا بالدليل ما عليه المُعول، والسلام عليكم ورحمة الله”.

فأجاب الشيخ رحمه الله بقوله: “إن القولَ الأولَ مهجورٌ ومَنبوذٌ بلا ارتياب، وهو ما دلّ عليه الكتابُ، والسُّنةُ، والإجماعُ، والقياسُ، وقولُ السَّلف، وفِعلُهم، وفتوى عُلماء الإسلام”.

ثم ذكر الشيخُ رحمه الله الأدلة والبراهين على ذلك دليلا دليلا، وبرهانا برهانا، مع ذكر وجه الاستدلال، وكشف زَيف وبُطلان ما قد يُتوَهَّم أنه دليل مُعارض، بشكل يُنبئ عن رسوخ قدم الشيخ في علم الجدل والمناظرة، ناهيك بتضلعه في الفقه والحديث والتفسير واللغة وغيرها من الفنون. 

• فمن أدلة الكتاب الكثيرة التي ذكرها الشيخ قولُه تعالى: (الذّين اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُومِنينَ وإِرْصاداً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ… إلى قوله: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ..)، قال الشيخُ رحمه الله: “وأما وَجه الاستدلال بالآية فلعُمومها، إذ الاسم الموصول بصلة عامة يعُمُّ بعُمومها حتى يرد تخصيصُه، فكل مسجد شارك مسجدَ سببِ النزول في علَّة التفرقة والضرر كان كهو في الحكم.. فسببُ النزول لا يخصص الدليل العام، كما هو معلوم في الأصول”.

ومن الحُجج الواهية التي ردَّها الشيخُ وفنَّدها -وهي كثيرة- ما قد يُتوهم عند البعض أن الزواوي والرُبط ليست مساجد، فلا يعمها حكم الآية، يقول الشيخُ رحمه الله: “هي مساجد لغةً وشرعاً، إذ المسجدُ هو ما خُصِّص للقُربة، كانت قربة في نفس الأمر أم لا، وقد قال الله: (لَنَتَّخِذَنَّ عَليهم مسجداً) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّخذُوا قبورَ أنبيائهم مساجد). وتلك التسمية حادثة، ومُصطلحٌ عليها، فلا تمنع إطلاق المسجد عليها”.

ثم ذكر الشيخُ الأدلةَ من السُّنة على عدم مشروعية بناء الزوايا، والإجماعَ على عدم جواز الإضرار بمساجد المُسلمين وتفريق جماعتهم، ودليلَ القياس، وأقوالَ السلف ومنها فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفتاوى علماء الإسلام -وأغلبُهم علماء المالكية!!- كالإمام الحارث بن مسكين تلميذ الإمام مالك، والإمام ابن رشد الجد المالكي القائل:

“من أعظم الضرر بناءُ مسجد آخر لإضرار أهل المسجد الأول، وتفريق جماعتهم، لأن الإضرار فيما يتعلق بالدين أشد منه فيما يتعلق بالنفس والمال… -إلى أن قال-  فإن ثَبتَ على بانيه أنه قصدَ به الإضرار وتفريق الجماعة، وَجَبَ أن يُحْرَقَ ويُهْدَمَ ويُتْرك مطرحاً للزبول، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد الضرار..”.

والإمام سحنون بن سعيد القيرواني المالكي، والعلامة ابن عرفة المالكي، والعلامة الرهوني الوزاني المالكي، والعلامة محمد بن المدني كنون… وغيرهم من علماء المسلمين كالإمام ابن حزم الأندلسي القائل:

“ولا تُجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة أو ضراراً على مسجد آخر، إذا كان أهلُه يسمعون نداءَ المسجد الأول، ولا حرج عليهم في قصده، والواجب هدمه، وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان، أو يقصدها أهل الجهل طلباً لفضلها”.

والإمام ابن القيم، والإمام ابن الجوزي في كتابه “تلبيس إبليس” حيث قال ما نصه: “ذكرُ تلبيس إبليس على الصوفية في المساكن: أمَّا بناءُ الأربطة؛ فإنَّ قوماً من المُتعبدين الماضين اتَّخذوها للإنفراد بالتعبد، وهؤلاء إذا صحَّ قصدُهم فهم على الخطإ من ستة وجوه:

1) أنهم ابتدعوا هذا البناء، وإنما بُنيانُ أهل الإسلام المَسَاجِدُ.

2) أنهم جعلوا للمساجد نظيراً يُقلِّلُ جمعَها.

3) أنهم أفاتوا أنفسهم نقل الخُطى إلى المساجد.

4) أنهم تشبَّهوا بالنصارى بانفرادهم في الدَّيْر.

5) أنهم تعزبوا وهم شباب، وأكثرهم محتاج إلى النكاح.

6) أنهم جعلوا لأنفسهم عَلَماً ينطق بأنهم زهاد، فيوجب ذلك زيارتَهم والتبركَ بهم، وإن كان قصدُهم غيرَ صحيح، فإنهم قد بنوا دكاكينَ للكُدْيَة -أي: الإلحاح في المسألة-، ومُناخاً للبطالة، وأعلاماً لإظهار الزهد.

وقد رأينا جمهور المتأخرين منهم مُستريحين في الأربطة من كد المعاش، مُتشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص، يطلبون الدنيا من كُلِّ ظالم، ولا يتورعون من عطاء ماكس، وأكثر أربطتهم قد بناها الظَّلَمة، ووقَّفوا عليها الأموالَ الخبيثة، وقد لبَّس عليهم إبليس أنَّ ما يصلُ إليكم رزقُكُم، فأسقطوا عن أنفسكم كُلْفَة الوَرَع، فهمتهم دوران المطابخ، والحمام، والماء المبرد، فأين جوعُ بِشْر؟ وأين وَرَعُ سري؟ وأين جِدُّ الجُنَيْد؟…” إلى آخر كلامه النفيس.

وقال الإمام أبو اسحاق الشاطبي المالكي في كلام علمي متين، أجتزئ بعضه: “إن استدلالَهم لأبنيتهم هذه؛ وانقطاعهم؛ وحالهم فيها؛ بالصُّفة وأهلها باطلٌ، إذ الصُّفة سقيفةٌ بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملته، وأبنيتُهم غيرُ المساجد، لا نفسها ولا منها. والصُّفة لم تُبن لقصد الانقطاع فيها كانقطاعهم فيما قاسوه عليها -أي الأربطة والزوايا-، ولا قصد أهلُها ولا بانيها -وهو الرسول- قَصْدَهم بأمكنتهم المقيسة عليها، ولا كان حالهم فيها كحال هؤلاء في أربطتهم، بل أُحصروا فيها في سبيل الله، ولعدم استطاعتهم الضرب في الأرض، وخوفاً من الكُفار المحيطين بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، ثم بعد أن فتح اللهُ على رسوله خرجوا منها وما عادوا إليها، ولا أمرهم بالعود إليها، ولا بنى أصحابُه وأتباعُه ما يشبهونه بها كتشبيه هؤلاء..

إلى أن قال: فالتَّشبُّه بأهل الصُّفة إذن في إقامة ذلك المعنى، واتخاذ الزوايا والرُّبط لا يصح، فليفهم المُوفَّقُ هذا الموضع، فإنه مزلَّة قدمٍ لمن لم يأخُذ دينَه عن السلف الأقدمين، والعلماء الراسخين، ولا يظنُّ العاقلُ أن القعودَ عن الكسب؛ ولزومَ الربط؛ مباحٌ أو مندوبٌ إليه، أفضل من غيره، إذ ليس ذلك بصحيح، ولن يأتي آخرُ هذه الأمة بأهدى ممَّا كان عليه أوَّلها” .

وبعد الكلام على الزوايا والأربطة، شرع العلامة النتيفي رحمه الله في الكلام على بناء المساجد والقباب على القبور، فقال رحمه الله: “وأما بناء المساجد والقباب على القبور فمُحرَّم، ومن مساجد الضِّرار أيضاً، كتاباً، وسنَّةً، وإجماعاً، وقياساً، وفتوى، وعملاً من الصحابة وغيرهم”.

ثم شرع في ذكر الأدلة والبراهين، مُنتهجاً المنهج نفسَه الذي انتهجه في مسألة الزوايا والأربطة. وسأسوق بعضَها طلبا للاختصار ونزولا عند سَنن المقالات، ومن رام الاستزادة، فعليه بالرسالة.  

• فمن الكتاب قوله تعالى: (ولا تَرْكَنُوا إلى الذين ظلموا فَتَمَسَّكُم النار)، يقول الشيخ رحمه الله: “والركون: الميلُ إليهم، ومن أشدِّه الاقتداءُ بهم، وقد نصَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم على أنهم البانون لها على قبور أنبيائهم وصلحائهم، وقد لُعنوا ببنائهم ذلك”.

• ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (اشتدَّ غضبُ الله على قومٍ اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد)، وقوله: (لا تتَّخذوا قبري وثناً)، وقوله: (لا تتَّخذوا قبري عيداً).

• وأما الإجماع؛ فقال الشيخ رحمه الله: “إنَّ علماءَ المسلمين لازالوا في كلِّ عصرٍ يَروُون أحاديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعن مَن فعل ذلك، ويقرؤون شريعة رسول الله في تحريم ذلك في مدارسهم، ومجالس حُفّاضهم، يرويها الأخيرُ عن الأول، والصغيرُ عن الكبير، والمتعلِّمُ عن العالم، من لدُن أيام الصحابة إلى هذه الغاية، وأوردها المحدِّثون في كتبهم المشهورة من الأمهات والمسندات والمصنفات، وأوردها المفسرون في تفاسيرهم، وأهل الفقه في كتبهم الفقهية، وأهلُ الأخبار والسير في كتب الأخبار والسير، فكيف يُقالُ إنَّ المسلمين لم يُنكروا على مَن فعل ذلك، وهم يروُون أدلة النهي عنه واللعن لفاعله خَلفاً عن سلفٍ في كل عصر؟

ومع هذا فلم يزل علماءُ الإسلام مُنكرين لذلك، مبالغين في النهي عنه. نعم، المستعملون هم الرافضة، ولا يُسَوِّغُ قولَهم هذا مع هذا البيان الواضح، والدليل الصريح، إلا أحدُ رجلين: رجل اشتدت به الغفلةُ في هذا الموضع حتى ما دَرىٰ ما يقول، ورجلٌ لا يُقيمُ للحقِّ وزناً، تعصباً لنحلة أو غرض”.

ثم نقل الشيخُ رحمه الله فتوى لبعض علماء المغرب زمن المولى إسماعيل العلوي بجواز بناء القباب على قبور الصالحين مُستندا على شبهة واهية، وقد ردَّ الشيخُ على الشبهة من سبعة وجوه. 

• وأما فتوى علماء السلف والخلف؛ فقد نقل الشيخ أقوال علماء المالكية كالعلامة خليل في مختصره، والعلامة الدردير المالكي في شرح مختصر خليل، والعلامة ابن الحاج الفاسي المالكي، والعلامة الدسوقي المالكي، والعلامة الشوكاني اليمني… وغيرهم من العلماء، وأقتصر على نقل قول إمَامَين جليلين:

1) قال العلامة الدردير المالكي على قول خليل: “وإنْ بُوهيَ به حرم” ما نصه: “ومن الضَّلال المُجمع عليه، أنَّ كثيراً من الأغبياء يبنون بقرافة -مقبرة- مصر أسْبلَة ومدارس ومساجد، وينبشون الأموات، ويجعلون مكانها الأكنفة وهذه الخرافات، ويزعمون أنهم فعلوا الخيرات، كلا، ما فعلوا إلا المهلكات”.

2) قال العلامة الدسوقي المالكي عليه: “قوله: ما فعلوا إلا المهلكات؛ أي: وحينئذ فيجبُ هَدمُ ما بُني بالقرافة المذكورة من المدارس والمساجد والأسبلة، والبيوت والقباب والحيشان”. وذكَّر الشيخ رحمه الله بقول العلماء: (لا يجتمعُ القبرُ والمسجدُ).

ثم بيَّن الشيخُ استحباب زيارة القبور دون شدِّ الرحال إليها، ومشروعيتها إذا خلت من المحظورات الشرعية، وذكر افتتانَ الناس بالقبور ونصَّ الإمامين الأندلسيين ابن عطية وأبي حيان في ذلك.

ثم كشف الشيخُ شبهات القائمين بتعظيم القبور وأهلها، كقول بعضهم: “كيف تحكمون علينا بالشرك ونحن بعد الإيمان بالله ورسوله، نصلي ونصوم ونزكي ونحج، ونتعرض للخيرات الإسلامية؟

وقد أجاب عليها الشيخُ بقوله: “ليس كلُّ من اتَّصف بتلك الصفات لا يمكن أن يكون كافراً في حال اتصافه بها، وقد جعل اللهُ من الكفار المؤمنَ ببعض آياته والكافرَ ببعضها بقوله: (ويقولون نومن ببعضٍ ونَكفُرُ ببعضٍ ويُريدون أن يتَّخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا) فمن آمن بالله وملائكته وكتبه، وصلى وصام إلى غير ذلك، ولكن يكذب بالبعث أو الجنة أو النار، فهو كافر وإن فعل ما فعل، ومن اتصف بصفات الإسلام كلها غير أنه ارتدَّ -والعياذ بالله- بكلمة أو فعل، فهو كافر، وإن لم يترك دعائم الإسلام من صلاة وغيرها، مادام لم يتب من ردَّته. وقد جاهد المنافقون مع رسول الله وصلوا وصاموا، وفعلوا ما أمكنهم فعله، ولكنهم كافرون، لمخالفة اعتقادهم لما ظهر عليهم، حتى إن الله كفَّرهم وهم على هذه الحالة بكلمة قالوها استهزاءً ولعباً، إذ قال سبحانه: (ولقد قالُوا كلمةَ الكُفر وكَفَروا بعد إسلامهم). ثم بيَّـن الشيخ أصنافَ القاصدين للأضرحة وأقسامهم. 

رحم الله الشيخ العلامة المجاهد عبد الرحمن النتيفي، وجزاه خيرا على ما قدم ونصح وبيّـن.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M