لهذا السبب أفضل تصدر هذا الحزب في الانتخابات

01 سبتمبر 2021 10:48

هوية بريس – حسن المرابطي

قد يكون من البديهي جدا تمني المرء فوز حزبه في الانتخابات لكي يترأس الحكومة، بعدما أصبح، بموجب الدستور الجديد، للحكومة دورا محوريا في السلطة التنفيذية، رغم أن الأمر عرف نقاشا، وُسِم بالاختلاف والخلاف، بين الباحثين في الشأن الدستوري والسياسي، وهذا ليس بموضوعنا؛ لكن مجرد التمني غير كافي لإقناع الناخبين، لأن السياسة لا تقبل لغة العواطف بقدر ما ترجح لغة المنطق والمصلحة؛ لأن الأصل في الأمر كله هو تحقيق مصلحة العباد والبلاد، وليس إثبات الذات والوصول إلى مراكز القرار فحسب.

وعليه، فإن ترجيح كفة حزب دون آخر، يستلزم الإحاطة بمجموعة من الأمور؛ ولعل هذه المهمة صعبة للغاية، وتحتمل الوقوع في تقديرات مختلف عنها بين كل المهتمين؛ لكن الساحة السياسية في فترة الحملة الانتخابية بحاجة لهذا النقاش الصحي؛ بل يعتبر أمرا ضروريا لإنجاح انتخابات 2021؛ لأن مثل هذا النقاش يجعل العملية الانتخابية ذات طابع واقعي منطقي، وليس محطة لتصفية الحسابات والغلو في المزايدات السياسية، حتى يُثبت كل طرف أنه الأقوى، بينما قوته تقتصر على فن الخطابة أو لعب دور الضحية ودغدغة مشاعر الناخبين، في حين أن بلادنا تحتاج لمن يُخرجها من أزمة قرب استفحالها وعدم قدرة التحكم في عواقبها.

ولذا، فإنه حان الوقت للتذكير بما يلي: كما يعلم الجميع، فإن الحكومة تم قيادتها لولايتين متتاليتين من طرف حزب العدالة والتنمية، الذي يعتبر نفسه حزبا إسلاميا، ولو أن بعض قياديه مؤخرا بدؤوا في إنكار ذلك، حيث كان هذا الوصف سبب معظم مآسيه؛ وإنما غالبية معارضيه أسسوا موقفهم المعادي، في بداية الأمر، من هذا المنطلق؛ فمنهم من له حساسية مفرطة مما يصطلح عليه “الإسلام السياسي“، ومنهم من يعتبر ذلك استغلالا للدين الإسلامي لا غير، فيما هناك من يسير مع الموجة دون أن يدري الدافع؛ لكن المتفق عليه هو عدم كفاية هذا الحزب لقيادة الحكومة وخلق نوع من الاستقرار السياسي؛ فضلا عن محاربة الفساد الذي رفعوه شعارا في 2011، ولا مواصلة الإصلاح كما ادعوا في سنة 2016، لأن الأمر معقد أكثر مما تصوروا؛ بل يبدو أنهم على جهل بخبايا الدولة، ولا يحسنون خلق التوازنات السياسية، رغم إتقانهم فن الخطابة ولعب دور المظلوم وهم في مركز القرار؛ والغريب في الأمر إلى حدود الساعة، هو استمرارهم في لغة التبرير والمظلومية رغم أن منهم من تفطن لضعف كفاءتهم وأمانتهم؛ ولعل أبرز شخصية إسلامية قررت ذلك هو العالم المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني، الذي ينتمي إلى حركة التوحيد والإصلاح وكذا إلى حزب العدالة والتنمية.

وإضافة إلى كل هذا، فإن أهم أمر وجب التنبيه إليه هو الظروف الدولية، والتي تجعل من المجتمع الدولي، بشكل عام، لا يقبل ولا يرغب في نجاح تجربة الإسلاميين، سواء في المغرب وغير المغرب، ولو أن مستوياته مختلفة؛ غير أن في تجربة مصر خير شاهد على ذلك، وكذا تجربة الجزائر فيما مضى؛ لكن كما يقال، لا يجب إلقاء اللوم على المنتظم الدولي فقط، بل لابد من الاعتراف بضعف الإسلاميين وعدم تمكنهم من خبايا السياسة، مع تسجيل تنازلهم عن القيم الإسلامية في معاملاتهم السياسية، وانجرارهم مع موجة فصل السياسة عن القيم، رغم رفع شعارات منكرة لذلك.

وبالتالي، ودون الدخول في تفاصيل أكثر، لاسيما تلك المرتبطة بالعلاقات الدولية ومنهج تعامل الأقوياء مع الضعفاء؛ فإن مصلحة البلاد أولا والعباد ثانيا، في المغرب، تقتضي تنازل حزب العدالة والتنمية عن قيادة الحكومة، والاعتراف بضعفه في تسييرها، أو إنزاله عبر صناديق الاقتراع التي ستقول كلمتها يوم 8 شتنبر؛ ذلك أن استمرار الحزب في قيادة الحكومة لولايتين ليس مؤشر نجاح، ولا حتى الاحتفاظ بالرتبة الأولى في الانتخابات مرتين؛ وإنما النجاح يقتضي جمع الكلمة وجعل الخصوم أصدقاء يتعاونون فيما بينهم، وليس الاكتفاء بوهم النجاح وغالبية الشعب ساخط على الوضعية.

وبالتالي، فإن البحث عن الحزب الأفضل لقيادة الحكومة، والقادر على خلق توازنات سياسية، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وكذلك القدرة على خلق نوع من التعاون بين المؤسسات، دون إثارة الحزازات السياسية، يقودنا إلى النظر في الأحزاب الكبرى الأخرى، ويتعلق الأمر ب الأحزاب التالية: حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب الاستقلال، حزب الأصالة والمعاصرة؛ وأما حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاتحاد الاشتراكي فلم يبقي كما كانا قبل عشر سنوات، بل أصبحا يتصارعان على البقاء والحصول على عدد كاف من النواب لتشكيل فريق برلماني.

لذا، فإن النظر في حالة حزب التجمع الوطني للأحرار، تجعلنا نتوجس من تصدره؛ حيث استطاع زعيمه خلق نوع من الخصومات المتعددة، سواء  مع الأحزاب الأخرى، أو مع عموم المواطنين؛ ذلك أن الغرور الذي أصابه جعله ينظر إلى الشعب نظرة شفقة واحتقار، بل تجرأ وأوهم نفسه بقدرته على إعادة تربية المواطنين؛ هذا فضلا عن تورط هذا الزعيم بشكل أو بآخر في فساد مجموعة من القطاعات، سواء عن طريق تسييرها من خلال المشاركة في الحكومة، أو من خلال تورط شركات محسوبة عليه في تأزيم الوضعية الاقتصادية؛ لكن يبقى أن هذا الحزب غير متحفظ عليه من المنتظم الدولي لتبنيه الفكر الليبرالي وغيرها من الخصال التي يمتاز بها ولا يسع المقام لذكرها؛ ولكل ما سبق، يجعل تصدر هذا الحزب للانتخابات بداية تأزم الوضع السياسي بالمغرب، وفتح الجبهات واحتمال حدوث ردات فعل، قد لا يُتحكم فيها.

أما إمكانية تصدر حزب الاصالة والمعاصرة، فهي محتملة لتمكنه من تغطية جميع الدوائر؛ غير أن التخبط التنظيمي الذي يعيشه الحزب، إضافة إلى شخصية أمينه العام المتسمة بالمزاجية، حتى فقدته خلق توازن داخل حزبه، حيث اضطر كثير من قيادييه الاستقالة والترشح بألوان حزبية أخرى، وكل هذا يجعل إمكانية قيادة الحكومة أمرا مستحيلا؛ هذا دون ذكر تاريخ هذا الحزب الذي ما زال يحتفظ به غالبية السياسيين والذي جعل منه غولا مخيفا لا يؤمن إلا بلغة التهديد والترغيب.

وأخيرا، يبقى حزب الاستقلال، صاحب رمز الميزان، والذي عُرف لدى المغاربة بالحنكة السياسية وحسن التنظير والتدبير، وقلة أخطائه السياسية، سواء التي تعلقت بالشأن الداخلي، ولا المرتبطة بالعلاقات الخارجية، خلال كل الفترات التي كان فيها صاحب قرار؛ فيما تبقى فترة ترأس الأستاذ عبد الحميد شباط الحزب هي أسوء فترة مرت عليه منذ تأسيسه؛ وأما حاله اليوم، فهو أفضل بكثير من خصومه السياسيين، ذلك أنه قادر على تسيير شأنه الداخلي دون إثارة الضجيج، مع قدرته على نسج علاقات قوية مع ألد الخصوم؛ لأنه يترأسه زعيم ذو شخصية رزينة، لا تقبل الصدام ولا المزايدات السياسية المبالغ فيها، فضلا عن كونه خبير في الاقتصاد وذو تاريخ ناجح في هذا الشأن؛ فيما تبقى مرجعية الحزب وعدم صداميته مع الثقافة المغربية أهم أساس يجعل منه حزبا مقبولا لدى العام والخاص؛ لكن هذا لم يمنعه من الانفتاح على الثقافات الأخرى دون الوقوع في الغلو ونسيان الأصول التي تأسس عليها؛ وأخيرا، تبقى الإشارة إلى قدرته على الإبداع السياسي لكثرة الخبراء فيه، والذين عُرف عنهم الأناة في اقتحام الملفات الخطيرة، كصندوق المقاصة وصندوق التقاعد وغيرها من الملفات، عندما اقترحت عليهم في ولاية الأستاذ عباس الفاسي، حتى أمسى معظم المهتمين يحنون إلى حكومته بعدما طفح الكيل مع حكومة العدالة والتنمية؛ هذا دون الحديث عن تمكنهم من الديبلوماسية الخارجية التي تُعطي الفرص لأي دولة أرادت تحقيق الاستقرار، على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وعلى سبيل الختم، نقول: قد لا يتسع المقام للتفصيل أكثر، لكن تبقى الإشارة إلى بعض النقاط مفتاح فهم اقتحام هذا الموضوع المهم، والذي يقتضي التريث في إصدار الأحكام، والقدرة على تقبل كل الانتقادات؛ لأن الفعل السياسي لا يقبل الجمود على رأي واحد، وإنما في إطار التدافع لتجويده، يلزم منا مشاركة بعض أفكارنا، وإن كانت ستخلق بعض ردات الفعل العاطفية، لانتشار منهج بناء المواقف السياسية على العواطف البعيدة عن المنطق السليم، الذي يقتضي الانتصار لتحقيق المصلحة العامة، وليس المصلحة الحزبية؛ وكذا عدم الاعتراف بالخصم عندما يكون قويا وناجحا.

وعليه، فإننا نتمنى تصدر حزب الاستقلال في انتخابات 2021، خصوصا التشريعية منها، حتى ننعم بنوع من الاستقرار السياسي للأسباب التي ذكرنا أعلاه؛ وهذا لا يمنعنا من تسجيل بعض الملاحظات على الحزب، لكن الظرف لا يقتضي ذلك الآن؛ كما لا يجب أن يغتر البعض بأفضلية الحزب على غيره، استنادا على ما ذكرنا، لأن في السياسة لا يوجد ثابت، وإنما لا بد من التجديد ومسايرة الظروف حتى لا يسقط المرء في الوهم السياسي الذي يجعله متعاليا لا يرى إلا نفسه.

اللهم ارزقنا المنطق والعمل به.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. الإسلام السياسي المعتدل غير مرحب به داخليا ولا خارجيا. إما أن تكون قويا مثل النموذج التركي و اقتصاد قوي أو أترك الساحة للمسلمين الليبراليين أن يتولوا الأمور الاقتصادية والاجتماعية.
    على حزب العدالة والتنمية المغربي أن تكون مشاركته رمزية فى الشؤون العامة للبلاد. في الوقت الحالي ليس لهم مكان على الساحة الدولية ولا في بعض القطاعات الداخلية.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M