نصيحة إلى ساداتنا العلماء!!!

27 أبريل 2021 13:06

هوية بريس – د. مروان مصطفى المرتجي

هذه نصيحة أقدمها إلى ساداتنا العلماء تذكيرا بمكانتهم القيادية ودورهم الريادي، لأن النصيحة عبادة وإحسان وشفقة وغيرة على المنصوح، وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم دينا في قوله: ” الدين النصيحة ” .

يقول ابن القيم رحمه الله : « النصيحة : إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له وعليه؛ فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة، ومراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه ».

إن مكانة العلماء محفوظة في الأمة، ومنزلتهم معلومة عند الخاصة والعامة ؛ لأن الأمة تجتمع عليهم ولا تتفرق، يجمعون شعث لحمة المجمعة لإظهار المصالح والأخيار، وتفادي المفاسد والأضرار، فهم مصابيح الدجى ونياشين العلم ومنارات الهدى، وبهم يتم الاعتصام بحبل الله المتين، إذ يسعون للكلمة السواء ويحرصون على السرّاء ولا يقبلون الضرّاء .

معلوم أن السلطة والقوة لهما أثرٌ في الأبدان، وللعلماء أثر في الأرواح والوجدان، وأقوى الأثرين تأثيرًا، وأظهرهما وسمًا، وأبقاهما على المدى، ما كان في الأرواح ؛ لأن التسلط على الأبدان يأتي من طريق الرهبة، والرهبة عارض سريع الزوال، أما التسلط على الأرواح  فبابه الرغبة، والدافع إليه الاقتناع والاختيار؛ ولأن سلطان العلماء على الأرواح مستمَدٌّ من روحانية الدين الإسلامي، وسهولة مدخله إلى النفوس تخضع له العامة عن طواعية ورغبة، خضوعا فطريا لا تكلُّف فيه . قال تعالى : ﴿ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا﴾ [ سورة الأحزاب . الآية : 39 ].

فإذا حدثت الفتن والاختلافات وجد الناس الحكَم الذي يثقون فيه ويرضون بحكمه؛ كما قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ۖ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ۚ ذلك خير وأحسن تأويلا ﴾ [ سورة النساء . الآية : 59 ]، وقال عز وجل: ﴿ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ۖ ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ۗ ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ﴾ [ سورة النساء. الآية : 83 ] .

ومن بين مهام العلماء النظر في أحوال الناس، فيصلحون ما كان فاسداً، ويصلون ما كان منقطعاً، ومتابعة التطورات الواقعية التي تحيط بالأمة الإسلامية، وكذلك تقعيد الأصول المرجعية الخاصة بالأحداث المستجدة وكيفية تناولها، وكذلك تصويب السلوك الذي ربما يكون دافعه الحماس النفسي للشباب المسلم والذي يلزمه الضبط العلمي المتأنّي والحكيم؛ لكن هناك كثير من العلماء هم بمعزلٍ بعيد عن أفراد هذه الأمة وأبنائها ولا يزالون بعيدين عن حمل هم المسلمين في بقاع الأرض إضافة إلى كونهم في منأى عن خلطة الناس ومشكلاتهم وآلامهم سِوى في درس علمٍ أو حلقة تعليم .

عندما تكون هناك جهات علمية متخصصة قائمة بشأنٍ هامٍ ولازم تجاه شعبها وأمتها -سواء كانت هذه الجهات شعبية أو رسمية- ومهمتها الأسمى حماية الأمن الروحي لشعبها بما يحقق مقاصد الشريعة، تتكون لدى الناس أُطر مرجعية يتحرّكون من خلالها يدعمها التوجيه القرآني والنبوي ويشجعها ذاك الجوع القلبي والنفسي للعودة إلى الله سبحانه وتطبيق أوامره. وعندما يستشعر الناس باستقلالية الجهات والشخصيات العلمية وتحرُّرها من القيد الدنيوي، وكذلك تحرُّرها من الضغط الحكومي السياسي؛ عندئذٍ تزداد ثقة الشعوب في تلك الجهات وتتأكد التبعية منهم لعلمائهم البعيدين عن قيد المصلحة الزائلة .

ولقد كان من أهم أسباب تراجع التأييد الشعبي لأقوال العلماء وتوجيهاتهم ذاك الشعور المسيّطر عليهم بتبعية أولئك لمصالح يراها الناس ظاهرة فيستشعرونها عند قيامهم بواجبهم الشرعي وارتباطهم بمؤسسات ودوائر حكومية متعددة إما بالتماهي أو السلبية الميتة وهذا ما لمسناه في قضايا كبرى كقضية التطبيع مع الكيان الصهيوني وهي قضية أمة وهوية، وقضية تقنين الكيف وغيرها من القضايا الجوهرية التي يجب أن يكون للعلماء دور بارز في نصرة الدين، وحماية التدين والأمن الروحي للعامة، وإبداء عدم الرضى بما حل في الزمان، والأداء لبعض ما يجب من الإنكار والتغيير والإنذار على حسب الطاقة والإمكان، وهذا الوضع أدى إلى تقييد العلماء في فتاويهم، وابتعادهم عن واقع الحياة اليومي بدعوى ليس كل ما يعلم يقال، والنظر إلى مآلات الأقوال والأفعال وغيرها من القواعد التي يبالغ في استخدامها وتنزل في غير محلها، فيضعف وضعهم ويقل اعتبارهم فتصير جهة تابعة لا متبوعة مقودة لا قائدة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M